فصل: مسألة يبتاع العبد على أن يعتقه:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: البيان والتحصيل والشرح والتوجيه والتعليل لمسائل المستخرجة



.مسألة الكتان يشترى حطبا ويشترط المشتري على البائع بَلّه:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم وسئل عن الكتان يشترى حطبا ويشترط المشتري على البائع بَلّه؟ قال: إن كان بَلّه شيئا معروفا قدره وقدر النصب فيه فلا بأس، ولكن إن كان الكتان يختلف عند خروجه من البلل فلا خير فيه لأنه كأنما اشترى ما يخرج ولا يدري كيف يخرج، وقد جاءني قوم وسألوني عنه وقالوا لي: إنه يختلف يخرج الجرات الرديء والطيب فقلت: لا خير فيه، فكل شيء يختلف عند خروجه وليس بمأمون فلا خير فيه.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال لأنه بيع وأجرة في الشيء المبيع فلا يجوز على مذهب ابن القاسم وروايته عن مالك إلا أن يكون قدر العمل معروفا ووجه خروجه معلوما لا يختلف، وسحنون لا يجيزه بحال. وقد مضى القول على هذا مستوفى في رسم حلف من سماع ابن القاسم.

.مسألة يبيع سلعة بثمن إلى ثلاثين سنة أو عشرين:

قال أصبغ: وسألت ابن القاسم عن الذي يبيع سلعة بثمن إلى ثلاثين سنة أو عشرين، قال: أما ثلاثين فلا أدري، ولكن عشرة وما أشبهه. قلت: يكره أن يكون إلى العشرين وما أشبهه؟ قال: نعم، قلت: فوقع أتفسخه؟ قال لي: لا أفسخه، ولكن لو كان سبعين أو ثمانين لفسخته، قلت: وكذلك النكاح أيضا إذا وقع الصداق مؤجلا إلى عشرين سنة وما أشبهها لم تفسخه؟ قال لي: نعم، قلت: وتكره أن يقع به النكاح كما تكره أن يقع به البيع؟ قال: نعم، وقد قال لي في الثلاثين أيضا: إن وقع به النكاح جاز، وكذلك البيع عندي. قال أصبغ: ولا أرى بذلك بأسا ابتداء إلى الخمس عشرة والعشرين؛ لأن مالكا قد سئل عن العبد يؤاجره سيده الخمس عشرة سنة ونحو ذلك فقال: لا بأس بذلك وذلك جائز، والنكاح في ذلك أبين وآمن.
قال محمد بن رشد: اتفق مالك وجميع أصحابه فيما علمت اتفاقا مجملا في النكاح يقع بمهر مؤجل إلى أجل بعيد أنه لا يجوز ويفسخ إذا وقع، واختلف في حده على أربعة أقوال: أحدها أنه يفسخ فيما فوق العشرين، وهو قول ابن وهب، وقد كان ابن القاسم جامعه عليه ثم رجع عنه، والثاني أنه لا يفسخ إلا فيما فوق الأربعين، وإليه رجع ابن القاسم فيما كان جامع عليه ابن وهب على ما حكاه ابن حبيب، والثالث أنه لا يفسخ إلا في الخمسين والستين، والرابع أنه لا يفسخ إلا في السبعين والثمانين، وهو قول ابن القاسم في هذه الرواية، واختلف في العشرين فما دونها على خمسة أقوال أيضا: أحدها أنه يكره في القليل والكثير منها، وهو أحد قولي ابن القاسم في كتاب ابن المواز وقول مالك في المدونة، واعتل لكراهيته بالاتباع فقال: إنه ليس بنكاح من مضى، ومن الحجة له أن الله لم يذكر في ذلك الأجل كما ذكره في البيع فقال: {وَآتُوا النِّسَاءَ صَدُقَاتِهِنَّ نِحْلَةً} [النساء: 4] وقال في الإماء: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ وَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [النساء: 25] وقوله عَلَيْهِ السَّلَامُ في الحديث للذي سأله أن يزوجه المرأة التي كانت وهبت نفسها له: «هل عندك من شيء تصدقها إياه» دليل بين على أن النكاح يكره ابتداء بالمهر المؤجل لأنه لما أخبره أنه ليس عنده شيء ولا خاتما من حديد إلا إزاره أنكحه إياها بما معه من القرآن ولم يجعل عليه الصداق دينا مؤجلا، والثاني أنه يجوز في السنة ويكره فيما جاوز ذلك وهو قول ابن وهب، والثالث أنه يجوز في السنتين والأربع ويكره فيما جاوز ذلك وهو أحد قولي ابن القاسم في كتاب ابن المواز، والرابع أنه يجوز في العشر ونحوها ويكره فيما جاوز ذلك وهو قول ابن القاسم في رواية أصبغ هذه وقول أصبغ في الواضحة ومذهب أشهب؛ لأنه زوج ابنته وجعل مؤخر مهرها إلى اثنتي عشرة سنة، والخامس أنه يجوز في العشرين فما دونها وهو قول أصبغ في هذه الرواية وظاهر قول ابن القاسم وابن وهب في كتاب ابن المواز، ومساواة ابن القاسم بين البيع والنكاح فيما يكره فيهما من الأجل ابتداء وفيما لا يجوز ويفسخ به البيع والنكاح هو القياس؛ لأنهما معاوضتان لا يجوز فيهما الغرر، فوجب أن يستويا فيما يجوز فيهما من الأجل وما لا يجوز، وقد ذكرنا وجه تفرقة من فرق بينهما ولم يعتبر في ظاهر قوله ما بقي من عمر الزوج والمشتري الذي يعمر إليه المفقود، وهو قول أشهب في الدمياطية سئل عن الزوج يتزوج المرأة بمهر مؤجل إلى أجل كم الأجل؟ قال: ما شاء إن شاء ثلاثين سنة، قيل له: فإن كان كبيرا، لا يعيش إلى مثلها؟ قال: لا أدري ما يعيش أرأيت الذي يتزوج إلى عشر سنين أليس لا يدري أيعيش إلى ذلك الأجل أم لا؟ فإن كان يدخل في هذا الغرر فهو يدخل في هذا أو معنى ما تتكلم عليه عندي في الكبير الذي لا يعيش إلى مثلها في الغالب، وقد يعيش إلى مثلها في النادر. وأما لو كان كبيرا يعلم أنه لا يعيش إلى ثلاثين سنة مثل أن يكون يوم تزوج أو اشترى السلعة ابن مائة سنة وما أشبه ذلك لما انبغى أن يجوز ذلك لأنه كمن تزوج أو اشترى إلى موته، وقد قال أبو إسحاق التونسي: وإذا حقق هذا فإنما كرهوا البيع والنكاح إلى الأجل البعيد الذي يجاوز عمر الإنسان لأنه يصير غررا لحلوله بموته، ولو كان ابن ستين فنكح أو اشترى إلى عشرين سنة لم يجز لأن الغالب أنه لا يعيش إلى ذلك، فأما ابن عشرين ينكح إلى عشرين أو يشتري إلى عشرين فكان الواجب إجازته، فما الأغلب أنه يعيش إليه جاز باتفاق، وما لا يعيش إليه لا يجوز باتفاق، وما الأغلب أنه لا يعيش إليه يجوز على الاختلاف، فهذا تحصيل القول في هذه المسألة، وبالله التوفيق.

.مسألة باع جارية وأشهد للمشتري بعد البيع أن لا نقصان عليه:

ومن كتاب القضاء:
وقال في الذي باع جارية وأشهد للمشتري بعد البيع أن لا نقصان عليه فإنه يلزم البائع الشرط ولا يحل للمشتري أن يطأ، قال أصبغ: وذلك إذا رضي ما أشهد له به وقبله، قال ابن القاسم: فإن وطأ لزمه الثمن لأنه قد ترك ما جعل له.
قال محمد بن رشد: وهذا كما قال إنه إذا قال له بعد البيع بع ولا نقصان عليك يلزمه؛ لأن معنى قوله بع ولا نقصان عليك، أي بع والنقصان علي، فهو أمر قد أوجبه على نفسه، والمعروف على مذهب مالك وجميع أصحابه لازم لمن أوجبه على نفسه يحكم به عليه ما لم يمت أو يفلس، وسواء قال ذلك له قبل أن ينتقد أو بعد ما انتقد، إلا أن يقول له قبل أن ينتقد انقدني وبع ولا نقصان عليك فلا يجوز ذلك لأنه يدخله بيع وسلف، وقال في سماع عيسى من كتاب العدة إن ذلك لا خير فيه لأنه يكون فيه عيوب وخصومات، فإن باع بنقصان لزمه أن يرد عليه النقصان إن كان قد انتقد وألا يأخذ منه أكثر مما باع إن كان لم ينقد، وهذا إذا لم يغبن في البيع غبنا بينا وباع بالقرب ولم يؤخر حتى تحول الأسواق، فإن وخر حتى حالت الأسواق فلا شيء له لأنه قد فرط، والقول قوله مع يمينه في النقصان إلا أن يأتي بما يستنكر فلا يصدق، وقاله ابن نافع، واختلف إذا كان عبدا فأبق أو مات فقيل: إنه لا شيء له، وقيل: إنه موضوع عن المشتري، وهو اختيار ابن القاسم في سماع عيسى من الكتاب المذكور، وأما إن كان ثوبا أو مما يغاب عليه فلا يصدق في تلفه إلا ببينة، وأما إذا باع منه على أن لا نقصان عليه فلا يجوز، واختلف إذا وقع، فقيل: إنه بيع فاسد يحكم فيه بحكم البيع الفاسد، وقيل: إنه ليس ببيع فاسد وإنما هي إجارة فاسدة وسيأتي القول على هذا في موضعه من كتاب العدة إن شاء الله.

.مسألة بيع المقاثي في جائجتها:

قال أصبغ: وسألت أشهب عن المقاثي في جائجتها فقال لي: يوضع القليل منه والكثير ما أصيب منه من شيء، قلت: وإن كان أقل من الثلث بطن منها؟ قال: نعم، وأراها بمنزلة البقلة، قال أصبغ: ليس هذا من قوله عندنا بشيء، وهو خلاف قول مالك وأصحابه كلهم.
قال محمد بن رشد: هذا كما قال أصبغ إن قوله شاذ في المذهب، ومعناه في مقاثي الفقوس لا في مقاثي البطيخ، ووجهه أن الفقوس لما لم يكن له بقاء في أصوله وكانت تجنى صغارا وكبارا أشبهت البقول في استعجال جدها، فوضعت الجائحة في القليل والكثير منها بخلاف الثمار التي يحتاج إلى بقائها في الأصول إلا أن يتناهى طيبها أي لا يوضع في الحائجة فيها اليسير، إذ قد علم المشتري أنه لابد أن يذهب منها اليسير بالطير والعافية والسقوط وما أشبه ذلك، فدخل على ذلك، وبالله التوفيق.

.مسألة صلاح مقاثي البطيخ التي يحل بيعها به:

قال أصبغ: وسألت أشهب عن صلاح مقاثي البطيخ التي يحل بيعها به أهو أن يوكل فقوسا أو بطيخا؟ فقال: بل هو أن يؤكل فقوسا. قال أصبغ: فقوسا بطيخا قد انتهى للبطيخ، فأما الصغار فلا.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ خلاف لقول أشهب، جائز على مذهب أشهب اشتراء المقاثي إذا عقدت وصلح بيعها وإن كان يريد أن يتركها حتى تصير بطيخا كما يجوز شراء الثمار إذا بدا صلاحها وإن كان يريد أن يتركها حتى تيبس. وقد قيل: إنه لا يجوز شراء الثمار بعد طيبها على أن تترك حتى تيبس، والقولان قائمان من المدونة؛ لأنه لم يجز فيها شراء الفول أخضر على أن يترك حتى ييبس، وذلك معارض لقوله في النخل والعنب إذا اشتراه وهو أخضر ثم أصيب بعد أن يبس إنه لا جائحة فيه؛ لأن الظاهر منه إجازته على أن يتركه حتى ييبس، وهو المشهور في المذهب من القولين، وعلى الثاني يأتي قول أصبغ.

.مسألة يبتاع العبد على أن يعتقه:

ومن كتاب المدبر والعتق:
قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول في الذي يبتاع العبد على أن يعتقه فلا يعتقه حتى يفوت العبد عند المشتري والبائع يظن أن قد كان أعتقه ثم يعلم ذلك وفات العبد بموت أو نقصان أو نماء دخله مما هو فوت، قال: أرى أن يغرم المشتري للبائع ما نقص من قيمته يوم اشتراه وقاله أصبغ، ويكون العبد للمشتري يصنع به ما شاء إذا ضمنه للبائع بقيمته، ويبلغ في القيمة قيمته بغير شرط للعتق، وليس عليه حينئذ عتقه إذا كان فوتا بعيدا بالعيوب المفسدة والنقصان المتفاحش والزيادة المتباينة وغير ذلك من غير الموت، فإن كان فوته بغيرها مثل الغير في البدن بالزيادة والنقصان واختلاف الأسواق بالأمر القريب فالمشتري بالخيار: يعتق كما اشترى ولا شيء للبائع، أو يرد إلا أن يشاء البائع إنفاذه له بالثمن الأول عبدا إن شاء أعتق وإن شاء ترك فيلزم ذلك المشتري. وإن كان فوته في المسألة بموت فلم يعمق فقد فات الرد والإشراء فأرى إن كان يرى أن البائع وضع من الثمن لاشتراط العتق وخفف عنه في ذلك أن يرجح بتمام ذلك تمام القيمة على ما يساوي يومئذ، وإن كان قد استقصى وقارب القيمة فلا أرى له شيئا، وهذا إذا شرط المشتري وترك وتهاون حتى تطاول ذلك قبل موت العبد، فإن لم يفرط ولم يطل وقد فات بحرارة البيع وفوره وقربه وما يكون في مثله الرأي والنظر والارتياء له فإن مات فلا أرى على المشتري شيئا ولا له ولا للبائع ولا عليه.
قال محمد بن رشد: هذه مسألة قد مضى القول عليها مستوفى في رسم القبلة من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته.

.مسألة بيع شعر الخنزير:

ومن كتاب الجامع:
قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول: لا بأس ببيع شعر الخنزير خنزير الوحش، وهو مثل صوف الميتة، وكذلك رواها أبو زيد. قال أصبغ: هذا خطأ لا خير في ذلك، وليس مثل صوف الميتة ولا حق لبائعه، وهو مثل الميتة الخالصة كلها وأشر، كل شيء منه محرم حي وميت، وصوف الميتة إنما حل لأنه حلال منها وهي حية وشعر الخنزير ليس بحلال حيا ولا ميتا فلا يباع ولا يؤكل ثمنه ولا تجوز التجارة فيه، والكلب أحل منه وأطهر، وثمنه لا يحل، وقد حرمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين نهى عن ثمنه.
قال محمد بن رشد: قول ابن القاسم هو الصحيح في القياس على أصل مذهب مالك في أن الشعر لا تحله الروح وأنه يجوز أخذه من الحي والميت كان مما يؤكل لحمه كالأنعام والوحوش أو مما لا يؤكل لحمه كبني آدم وكالخيل والبغال والحمير وكالقرود التي قد أجمع أهل العلم على أنه لا تؤكل لحومها أو مما يكره أكل لحمه كالسباع، فوجب على هذا الأصل أن يكون شعر الخنزير طاهر الذات أخذ منه حيا أو ميتا تحل الصلاة به وبيعه لأن الله تعالى إنما حرم لحمه خاصة دون ما سوى ذلك منه بقوله تعالى: {وَلَحْمَ الْخِنْزِيرِ} [البقرة: 173] فوجب أن يكون شعره موقوفا على النظر، وقد بينا ما يوجبه النظر فيه على أصل مذهب مالك، وأما قول أصبغ فليس ببين لأنه أتي فيه بقياس فاسد وعبر عنه بعبارة غير صحيحة، قال: وصوف الميتة إنما حل لأنه حلال منها وهي حية، وشعر الخنزير ليس بحلال حيا ولا ميتا. ووجه فساده أن المخالف له في شعر الخنزير لا يفرق بين أخذه حيا وميتا، بل يقول: إنه حلال أن يؤخذ منه حيا وميتا فلا تلزمه الحجة بقياسه في أنه لا يجوز له أخذه منه ميتا إلا بعد أن يوافقه على أنه لا يجوز أن يؤخذ منه حيا ويقول له: إنه يجوز أن يؤخذ منه ميتا، وذلك ما لا يشبه أن يقوله أحد، وإنما الذي يشبه أن يقال: إنه يجوز أن يؤخذ منه حيا ولا يجوز أن يؤخذ منه ميتا قياسا على سائر الحيوان، فهذا بين في إفساد قياسه، والعبارة الصحيحة فيه على فساده أن يقول: وصوف الميتة إنما حل لأنه حلال منها وهي حية، فلما كان صوف الميتة إنما حل من أجل أنه يجوز أن يؤخذ منها في حال الحياة وجب ألا يحل أخذ شعر الخنزير الميت من أجل أنه لا يحل أن يؤخذ منه في حال الحياة، فلو قال هكذا لكان التعبير مستقيما والقياس فاسدا، فعاد قوله إلى أنه ليس بقياس ولا حجة، وإلى أنه ليس فيه أكثر من مجرد قوله وشعر الخنزير ليس بحلال حيا ولا ميتا فلا يباع ولا يؤكل ثمنه ولا تجوز التجارة فيه. وأما قوله: والكلب أحل منه وأطهر، وثمنه لا يحل، وقد حرمه رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حين نهى عن ثمنه، فليس بحجة إذ لم يحرم ثمنه لنجاسته إذ ليس بنجس، ألا ترى أنه لو وقع في بئر أو جب وخرج منه حيا لم ينجس ذلك الماء بإجماع، وقد حرم الشرع أثمان كثير من الطاهرات من ذلك ثمن الحر ولحم النسك وما سواه كثير، فلا دليل في تحريم ثمنه على أنه إنما حرم لنجاسة ذاته.

.مسألة قال بعني عبدك هذا فقال صاحبه إن فلانا قد أعطاني فيه مائة دينار:

وقال في رجل قال: بعني عبدك هذا، فقال صاحبه: إن فلانا قد أعطاني فيه مائة دينار، فقال: أنا آخذه بما أعطاك فلان، فدفع إليه مائة دينار، ثم سأل فلان فقال: والله ما أعطيته إلا خمسين، قال: تلزمه المائة ولا ينظر إلى قول فلان هذا، ثم قال لي بعد ذلك: إلا أن تقوم بينة.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم صلى نهارا من سماع ابن القاسم فلا معنى لإعادته.

.مسألة بيع ما بقي مما يكال أو يوزن مرابحة:

قال أصبغ: سمعت ابن القاسم يقول: ما اشتريت من جميع الأشياء مما لا يكال ولا يوزن فبدت بعضه فلا تبع ما بقي منه ولا جزءا مما بقي مرابحة حتى تبين أنك قد بعت منه، فإن لم تفعل وبعت مرابحة وكتمته ذلك فهو بيع مردود يرده المبتاع إن أحب، وإن فات كانت فيه القيمة، قال أصبغ: لأنه كعيب مدلس كالذي يبيع الصب؛ قد علم كيلها وكتمه سواء. قال ابن القاسم: وما اشتريت من جميع الأشياء مما يكال أو يوزن من الطعام أو غيره فبعت بعضه فلا بأس أن تبيع ما بقي مرابحة ولا تبين أنك بعت منه شيئا وليس عليك أن تبين، وقاله أصبغ.
قال محمد بن رشد: قد مضت هذه المسألة والقول فيها في رسم حبل حبلة من سماع عيسى فلا معنى لإعادته والله الموفق.

.مسألة بزازا حضر زياتا يشتري زيتا في سوق الزيت لم يكن له معه شرك:

من مسائل نوازل سئل عنها أصبغ بن الفرج قيل لأصبغ: أرأيت لو أن بزازا حضر زياتا يشتري زيتا في سوق الزيت لم يكن له معه شرك؟ قال: نعم، لا يدخل البزازون على الزياتين ولا الزياتون على البزازين ولا على الحناطين ولا على النغاسين ولا على باعة الدواب والصوافين إنما أهل كل تجارة يدخل بعضهم على بعض ولا يدخل أهل هذه التجارة على أهل غيرها، قلت: فلو كان رجل يحتكر هذه الأشياء كلها ويتجربها أترى له أن يدخل في جميع السلع التي يتجربها حيث وجد من يشتريها في أسواقها وتجب له الشركة على مشتريها إذا حضر الصفقة؟ قال: نعم أرى ذلك؛ لأنها من تجارته، قلت: أرأيت من اشترى من هؤلاء سلعة من هذه السلع فلما تم له الشراء قال له القوم: أشركنا، قال: إني لم أشترها لتجارة، وإنما اشتريتها للقوت إن كان طعاما أو للخدمة إن كان رقيقا أو للركوب إن كانت دواب أو للبس إن كانت ثيابا؟ قال: أرى القول قوله في ذلك، وليس عليه فيما اشترى لغير تجارة شرك لأحد، قلت: وهو عندك مصدق إذا قال لم أشترها لتجارة؟ قال: نعم، أراه مصدقا إلا أن يستدل على كذبه مما يرى من كثرة تلك السلع ويعلم أن مثله في كثرتها وعظم قدرها لا يشترى إلا للتجارة وطلب الفضل، فإذا كان مثل هذا لم يصدق ودخلوا معه فيها، قلت: فلو لقي سلعة تباع في بعض الأزقة أو الدار فسام صاحبه بها وقد حضره رجل من أهل تلك السلعة فسأله الشركة فأبى أن يشركه هل ترى له معه شركا؟ قال: لا شرك له فيها، قد أعلمتك أن الشركة لا تكون في السلعة إلا في مواقفها وأسواقها المعروفة، وليس على من اشترى سلعة في غير أسواقها ومواقفها شرك لأحد من أهلها ولا من غيرهم.
قال محمد بن رشد: ذهب مالك رَحِمَهُ اللَّهُ إلى أنه يقضي لأهل الأسواق بالشركة فيما ابتاعه بعضهم بحضرتهم للتجارة على غير المزايدة ورأى ذلك أرفق بهم من إفساد بعضهم على بعض وتابعه على ذلك جميع من أصحابه، واختلف من هذه المسألة في ثلاثة مواضع: أحدها هل ذلك في جميع السلع أو في الطعام وحده، فروى أشهب عن مالك أنه في الطعام وحده، وقال ابن القاسم في سماع أبي زيد من كتاب الشركة وغيره من أصحاب مالك وهو قول أصبغ هنا وقول ابن حبيب في الواضحة: إن ذلك في الطعام وغيره من الدواب والسلع، والثاني هل ذلك في السوق وغير السوق من الطرق والأزقة أو في السوق وحده؟ فذهب أصبغ في هذه الرواية إلى أن ذلك في السوق خاصة، وذهب ابن حبيب إلى أن ذلك في السوق وغيره ما لم يشترها في حانوته أو في داره، والثالث هل ذلك لجميع التجار أو لتجار تلك السلعة؟ فقال أصبغ: إنما ذلك لتجار تلك السلعة خاصة، ولا شرك لأحد على أحد في سلعة ليست من تجارته، وقاله ابن حبيب في الواضحة، وسواء كان المشتري لتلك السلعة من تجار تلك السلعة أو لم يكن. وقال ابن الماجشون في الثمانية إن ذلك لجميع من حضر الشراء من التجار كانت تلك السلعة من تجارته أو لم تكن، فالتجارة لازمة لأهل الأسواق فيما اشتروه للتجارة على غير المزايدة لما كان من الطعام في سوق الطعام لأهل التجارة في ذلك النوع من الطعام باتفاق، ولما كان من غير الطعام وإن كان ذلك في سوق تلك السلعة أو في غير السوق، وإن كان من الطعام أو لغير أهل التجارة في ذلك النوع باختلاف. وقوله في غير السوق أعني في بعض الأزقة. وأما ما ابتاعه الرجل في داره أو حانوته فلا شرك لأحد معه ممن حضر باتفاق، فإذا اشترى الرجل الطعام في سوق الطعام للتجارة بحضرة غيره من التجار فيه وهم سكوت فلما تم له الشراء قالوا له: أشركنا كان ذلك من حقوقهم، وليس له هو أن يلزمهم الشراء بحضرتهم وسكوتهم إن تلف الطعام أو ظهرت فيه خسارة، ولو قالوا له وهو يسوم فيه: تشركنا في هذا الطعام؟ فقال لهم: نعم أو سكت ولم يقل لهم شيئا لكانت الشركة لازمة لهم يقضى بها لكل واحد منهم على صاحبه؛ لأن سكوته مع حضورهم كقوله نعم، ولو قال لهم لا لم يلزمه لهم شركة لأنه قد أنذرهم ليشتروا لأنفسهم إن شاؤوا، فإذا لم يفعلوا وتركوه يشتري ولم يزيدوا عليه فقد سلموا له الشراء، ولو قالوا له وهو يسوم: أشركنا واشتر علينا فسكت ولم يجبهم بشيء فذهبوا واشترى بعد ذهاب ثم جاؤوه فسألوه الشركة لم يلزمه ذلك، ويحلف بالله ما أشركهم ولا اشترى عليهم، ولو طلبهم هو بالشركة لتلف السلعة أو خسارة ظهرت له فيها للزمتهم لسؤالهم إياها، ولو قال لهم: نعم لكانت الشركة واجبة له عليهم ولهم عليه، وكذلك القول فيه إذا اشتراه في غير سوقه أو كان الذين وقفوا عليه من غير أهل التجارة به وفي غير الطعام من الحيوان والسلع كلها في سوقها أو في غير سوقها لتجارها ولغير تجارها على القول بوجوب الشركة في ذلك كوجوبها في الطعام المشترى في سوقه للتجارة له. وقوله إنه مصدق فيما اشترى إذا قال إنه لم يشتره للتجارة ما لم يتبين كذبه، معناه مع يمينه، وقد مضى في آخر سماع أشهب طرف من هذه المسألة.

.مسألة تم البيع فقال المشتري أنا أشركتك بالثلث أو الربع وقال المشرك بل بالنصف:

قلت: فلو اشترى رجل سلعة حيث لا يجب على المشتري الشركة فقال له رجل: أشركني، فقال: نعم، فلما تم البيع قال المشتري: أنا أشركتك بالثلث أو الربع، وقال المشرك: بل بالنصف، قال: إذا كان إنما أشركه شركة مبهمة لم يسم له شيئا عند الشركة قبل الشراء وإنما وقع التداعي بعد الصفقة فالقول قول المشتري إذا كانا قد اجتمعا على أن الشركة كانت مبهمة، وإن زعم المشتري أنه قد بين عند الشركة أنه إنما يشكره بثلث أو ربع، وادعى المشرك أكثر من ذلك حلف المشتري ما أشركه بالنصف، فإن نكل عن اليمين حلف المشرك وكان له النصف، فإن نكل عن اليمين فليس له إلا ما أقر له به. وهذا إذا كانت السلعة قائمة، فأما لو فاتت بتلف فزعم المشتري أنه أشركه بالنصف وألزمه نصف الثمن وقال المشرك بالربع فالمشتري مدع وعلى المشرك اليمين ما أشركه إلا بالربع ويبرأ، فإن نكل عن اليمين حلف المشتري أنه أشركه بالنصف وألزمه نصف الثمن، فإن نكل عن اليمين فليس له إلا ما أقر له به المشرك، إلا أن تباع بوضيعة فالقول قول المشرك لأنه مدعى عليه، وإن بيعت بزيادة فالقول قول المشتري لأنه مدعى عليه يؤخذ منه.
قال محمد بن رشد: قوله إذا اجتمعا على أن الشركة كانت مبهمة فالقول قول المشتري فيما زعم من أنه إنما أشركه بالشك يريد دون يمين بدليل قوله وإن زعم أنه قد بين عند الشركة أنه إنما يشركه بثلث أو ربع وادعى المشرك أكثر من ذلك حلف، إذا لم يوجب عليه اليمين إلا أن يدعي عليه المشرك أكثر مما أقر أنه أشركه به، وذلك حلف، إذ في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب الشركة من أنهما إذا لم يبينا شيئا فالقول قول المشتري مع يمينه أنه إنما أراد الثلث أو الربع. والاختلاف في هذا على اختلافهم في لحوق يمين التهمة، إذ لا يمكن للمشرك أن يحقق الدعوى على المشتري بأنه أراد أكثر مما ذكر أنه أراده من الثلث أو الربع، وقد مضى هذا المعنى في رسم الأقضية الثاني من سماع أشهب وفي آخر أول رسم من سماع أصبغ. وفي قوله وإن زعم المشتري أنه قد بين عند الشركة أنه إنما يشركه بثلث أو ربع وادعى المشرك أكثر من ذلك حلف المشتري ما أشركه بالنصف، فإن نكل عن اليمين حلف المشرك وكان له النصف نظر، إنما الصواب أن يحلف المشتري ما أشركه إلا بالثلث أو الربع الذي أقر به، فإن نكل عن اليمين حلف المشرك على ما ادعى كان النصف أو أكثر من النصف ويكون ذلك له. وقوله: وهذا إذا كانت السلعة قائمة صحيح؛ لأن السلعة إذا كانت قد تلفت فالمصيبة على المشرك فيما يزعم أنه أشركه به من السلعة، فهو مقر للمشتري من ثمن السلعة بأكثر مما يدعي، فوجه الحكم في ذلك أن يوقف الزائد، فمن أكذب منهما نفسه ورجع إلى قول صاحبه أخذه. وأما قوله: فأما لو فاتت بتلف فزعم المشتري أنه أشركه بالنصف إلى آخر المسألة فهو صحيح إلا قوله: إلا أن تباع بوضيعة فليس بموضع استثناء لأن الاستثناء يخرج المستثني من حكم المستثنى منه، وحكم التلف والوضيعة سواء في أن المشتري مدع على المشرك، فكان صواب الكلام أن يقول فيه وكذلك إذا بيعت بوضيعة فالقول قول المشرك؛ لأنه مدعى عليه. وتحصيل القول في هذه المسألة أن المشتري إذا أشرك في السلعة التي اشترى رجلا حيث لا يجب عليه أن يشركه فيها فاختلفا في مقدار ما أشركه به منها إفصاحا يقول المشتري أشركتك بجزء كذا سميناه، ويقول المشرك بل بجزء كذا أسميناه، والسلعة قائمة لم تتلف ولا بيعت بعد، فالذي يدعي الأكثر منهما هو المدعي كان المشتري أو المشرك، والآخر مدعى عليه يكون القول قوله مع يمينه؛ لأن المشتري إذا قال: أشركتك بالثلثين وقال المشرك: ما أشركتني إلا بالثلث فهو مدع عليه أنه اشترى منه ثلثي السلعة وهو ينكر أن يكون اشترى منه إلا الثلث. وإن كان المشرك قال: أشركتني بالثلثين وقال المشتري: ما أشركتك إلا بالثلث فهو مدع عليه أنه باع منه ثلثي السلعة والمشتري منكر أن يكون باع منه إلا الثلث فالقول قول المدعى عليه منهما مع يمينه، فإن نكل عن اليمين حلف المدعي واستحق ما حلف عليه، وإن كانت السلعة قد تلفت أو بيعت بوضيعة فالقول قول المشرك الذي يدعي الأقل لأن المشتري يريد أن يلزمه من ثمن السلعة التي قد تلفت أو من الوضيعة فيها ما ينكره، فأما إذا كانت السلعة قد بيعت بربح فالقول قول المشتري الذي يدعي الأقل لأن المشرك يريد أن يأخذ من ربح السلعة ما ينكر أن يكون أشركه به، ولا اختلاف بينهم في شيء من هذا، وكذلك لا اختلاف بينهم في أن السلعة تكون بينهم بنصفين إذا اتفقا على أن الشركة وقعت مبهمة بينهما ولم يدع أحدهما أنه أراد شيئا ولا نواه كانت السلعة قائمة أو قد تلفت أو بيعت بربح أو وضيعة. واختلفوا إذا اتفقا على أن الشركة وقعت بينهما مبهمة فادعى أحدهما والسلعة قائمة لم تفت ولا بيعت بعد أنه أراد أقل من النصف الثلث أو الربع، وقال الآخر: أردت النصف أو لم تكن لي نية على ثلاثة أقوال: أحدها أن القول قول الذي ادعى منهما أنه أراد أقل من النصف كان المشتري أو المشرك دون يمين وهو الذي يأتي على قول أصبغ في هذه المسألة؛ والثاني أن القول قوله مع يمينه، فإن نكل عن اليمين حلف صاحبه على ما ذكره من أن له النصف وأنه لم تكن له نية، وكانت السلعة بينهما بنصفين، وهو الذي يأتي على ما في رسم سن من سماع ابن القاسم من كتاب الشركة؛ والثالث أنه لا يصدق الذي ادعى أنه أراد أقل من النصف وتكون السلعة بينهما بنصفين وهو قول سحنون، ومثله في كتاب ابن المواز بدليل وكذلك إذا كانت السلعة قد تلفت أو بيعت بوضيعة فقال المشرك: أردت الثلث أو الربع وقال المشتري: أردت النصف أو لم تكن لي نية أو كانت قد بيعت بربح فقال المشتري: أردت الثلث أو الربع وقال المشرك: أردت النصف أو لم يكن لي نية يجري ذلك على الثلاثة الأقوال المذكورة، وإن ادعى أحد منهما أنه أراد أكثر من النصف لم يصدق. وأصل هذه في التداعي أن كل من دفع ضرا عن نفسه كان القول قوله، ومن ادعى نفعا لنفسه كان القول قول خصمه. ولو اشترى رجلان سلعة فأشركا فيها رجلا فقيل: إنها تكون بينهم أثلاثا، وهو قول ابن القاسم في المدونة، وقيل: إنه يكون للمشرك نصف نصيب كل واحد منهما فيكون له نصفها وهو أحد قولي ابن القاسم في سماع عيسى من كتاب الوصايا.

.مسألة اشترى سلعة من رجل فأتى رجل فسأله أن يوليها إياه بعد صفقته:

وسئل عن رجل اشترى سلعة من رجل فأتى رجل فسأله أن يوليها إياه بعد صفقته حين انبت له البيع والبائع قائم لم يزل فولاه المشتري على من ترى العهدة والتبعة لهذا المولى؟ فقال: تبعته على الذي ولاه إلا أن يشترط عليه المولى أن تبعته على البائع، فيكون ذلك له إذا كان على ما وصفت من القرب، فأما إن تباعد ذلك ثم ولاها رجلا واشترط عليه أن تباعته على البائع الأول فذلك باطل وعهدته على المولى، قال: ولا أرى بأسا أيضا في المسألة الأولى حيث يجوز له أن يستثني العهدة على البائع الأول أن يولي السلعة ويشترط على المولى أن تباعته على البائع الأول وإن لم يحضر البائع ذلك وكان غائبا عنه إذا كان قريبا لا أبالي حضر البائع الأول أو لم يحضر إذا كان عندما وقعت الصفقة وذهب البائع ولى المشتري رجلا واشترط أن عهدته على البائع لا يضره عندي مغيبه وسواء غاب أو حضر.
قال محمد بن رشد: قول أصبغ هذا مثل قول مالك في الموطأ ومثل ظاهر ما في سماع عيسى من كتاب العيوب خلاف ما في رسم أسلم من سماع عيسى من كتاب السلم والآجال، وقد مضى هناك القول مستوفى فلا معنى لإعادته. وروى يحيى عن ابن القاسم مثل قول أصبغ هذا، وروى عنه أيضا أن الافتراق القريب حكمه حكم ما لم يفترقا، فإن بعد وطال لم تكن العهدة عند الجميع إلا على المولى والمشرك إلا أن يشترطها على الأول ففي جواز ذلك قولان.